قصيده الى تلميذة --------شرح وتأملات

قل لي ولو كــذباً كــلاماً ناعمــاً
قــــد كــــاد يقتلــــني بــــك التمـــــثال
ما زلت في فن المحبة طفــــلة
بـيني وبيـــنك أبحـــــــــر وجــــبال
لم تستطيـعي بعد أن تتفهـــمي
أن الرجـــــــال جميعــهم أطفــــــال
إني لأرفض أن أكون مهرجـــاً
قـزمــــاً علــــــى كلمــاته يحــــتال
فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمت في حرم الجمــال جمــال
كلماتنا في الحب تـقتل حبـــنا
إن الحــروف تمـــوت حين تقـــال
قصص الهوى قد أفسدتك فكلها
غيـبوبـة وخــــــرافة وخيـــــــــال
الحب ليـــس روايـــــة شرقيــــة
بختامــــها يـتــــزوج الأبطـــــــال
هو جدول الأحزان في أعماقــنا
تنمــو كـــــروم حــوله وغـــــلال
لكنـــــه الإبحـــار دون سفيـــنة
وشعورنا أن الوصــــول محــــال
هو أن تظل على الأصابع رعشة
وعلى الشفــاه المطبقات ســـؤال
هو هذه الأزمات تسحقـنا معــاً
فنمـوت نحن .. وتزهر الآمــــــال
هو أن نثــور لأي شيء تافـــه
هو يأســنا هو شكـــــنا القــــــتال
هو هذه الكــف التي تغتالـــــنا
ونقــــبل الكـــف التــي تغــــــتال


تأمـــلات رقم 1

لقد استوقفتني هذه القصيدة للشاعر الذي انصهر في ذاتي لأنصهر فيه .
إلى تلميذة قصيدة من الماء منقوشة بريشة صفراء نزارية الهوى .

قل لي ولو كذباً كلاماً ناعماً
قد كــاد يقتلني بك التمثال

حوار اللظى بين العاشق والمعشوقة فهي واقفة عيناها تحدق فيه كأنما تحدق في اللاشيء ، لغة الشوق نسيج الكلمات تبحث من شفتيه مفردات ناعمة ، امرأة أودع الله سبحانه وتعالى فيها شيئاً من الجمال العاطفي .

ساكت هو ..
ثائرة هي

لوجهه صورة التمثال أمامها ، جسد لا حراك له ، روح جامدة ، يعذبها السكون وهذا من أقسى أنواع الألم يحسه العاشق الذي أتعبه العشق ..


ما زلت في فن المحبة طفـلة
بيني وبينك أبحــر وجبال

نفض غبار الصمت عن جسده وشفتيه ..
إنك لا زلت في الحب طفلة بين مسافة حبنا أبحر ذات أمواج ورياح ، جبال قاسية التراب ..
إنه يشعرنا بما تعانيه المرأة في مجتمعنا العربي ذاك المجتمع الذي لا يزال يكبل معصميها بآلاف السلاسل واللهب .

إنك أيتها العاشقة
تحملين دعابة الطفولة عقلاً من البنفسج
أنت والطفلة لغة واحدة
مرآة لوجهين لهما ذات المعنى



لم تستطيعي بعد أن تتفهمي
أن الرجــال جميعهم أطفـال

لذلك لم تستطيعي ولن تستطيعي أن تقرئي الرجلا ..
الرجال في العشق كما الأطفال مشغوفون بالحنان والعناق ولثم الثدي قبلات لتستمر الحياة .

ثائر هو ..
ثائر ضد السكون
ثائر ..
يكتب الحب سيمفونية بطعم التوت

إني لأرفض أن أكون مهرجاً
قـزماً على كلماته يحتال

نزار يرفض أن يكون مهرجاً قزماً يثير الضحك والنشوة في المتلقي ويحتال على كلماته التي كتبها بفكره وروحه وفيه رداً على من يقول : أنه يوزع الحلوى على المراهقات ظناً منهم أن قصائده وقتية .. .
لذا لا نجدهم بينما نجده خالداً كصورة موناليزا .

إنه عبر بساتين الجمال الذي رصع بجمال عينيك ، شفتيك ، نهدك ، كل النعومة والطراوة في جسدك المبلل بالياقوت .

صامتاً بلا حروف ..

إن الصمت من أجمل وأبلغ العبارات التي تكتب وتقال .

فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمت في حرم الجمال جمال

لم يخطأ الأديب الانجليزي أوسكال وايلد يوم قال " إن اللغة خلقت لتخفي مشاعرنا " .
أجل إن المشاعر التي نحس بها سواء كان ذلك في الجانب العاطفي أم في غيره من الجوانب فإنه الكلام لن يستطيع أن يعبر ويصور ما يجول بخاطرنا على الوجه الأكمل ، أما في العشق فالكلام سيقتل المعاني السامية والمشاعر المخملية .


كلماتنا في الحب تقتل حبــنا
إن الحروف تموت حين تقال

عندما أقول فإن الحروف ستقتل حبنا ..
أتعلمين لماذا ؟ .
لأن الحروف تموت حين تقال
إنه ينظر إلى الموت بمعنى الانتهاء بعكس ما صرح به الفلاسفة من أنه الموت عبارة عن عملية انتقال من وضع إلى وضع .
الموت في مفهوم الشاعر انتهاء للحالة العشقية واللذة .

قصص الهوى قد أفسدتك فكلها
غيبوبة وخرافة وخيــــــال

عملية استقرائية من خلالها وضع النقاط على الحروف ، غربلة لما ورد في التأريخ العربي والعالمي من قصص حب ربما شابها نوع من التحريف والمبالغة .
إنه يرفض هذه الغيبوبة وهذه الخرافة وهذا الخيال البعيدون كل البعد عن المنطق .
ليس كل ما نسمعه ونقرأه ونشاهده صحيح .
إنها عملية لتفعيل الفكر وإعمال الوعي وهذا يرسم لنا صورة للشاعر حيث تعرفنا بهذا المخزون الثقافي لديه .
إنه إمبراطور يريدنا أن نمشي وراء موكبه نعانق ما صورته تلك الريشة الصفراء من لوحات كرستالية .


الحب ليس روايــة شرقيــــة
بختامـها يتزوج الأبطـــال

إن فلسفة الحب النزاري ليس كما هو سائد ومعروف في الروايات الشرقية فإذا تناولنا بالدراسة كثيراً منها لوجدنا معظمهم يختم قصته بموت البطل أو بزواجه من حبيبته . أسلوب كلاسيكي في الطرح .
إنه يختلف برأيه .. .
إن الحب النزاري له مفهومه الخاص بحيث كلما حرم وتعذب العاشق كلما ازداد تلذذاً وطراوة وحياة .
يقول جبران خليل جبران " ما أغربني عندما أشكو ألماً فيه لذتي " .



هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كـروم حــوله وغلال

الحب مرادفه الحزن بل جوهره وقل أن تجد عاشقاً خالياً منه .. .
في أعماقنا جدول من الماء فيه حزن بشكل الماء حواليه تنمو الكروم والاغلال .
الماء هو الحياة ، قال تعالى " وجعلنا من الماء كل شيء حي " .
نزار المعنى يلهمنا معنى ضمنياً مفاده أن الحب صورة عكسية للماء فما يفعله الماء فإن الحب يفعله ولقد قال الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو " إن الله هو الحب " .
الحب هو كل شيء ، وكل شيء هو الحب .

لكنــه الإبحـــار دون سفيـنة
وشعورنا أن الوصول محال

هذا الحب النزاري مغزاه ورونقه الولوج بقعر العالم الملئء بالفيضانات الغرامية وزيادة عليه أن الإحساس بعدم الوصول إلى اللحظة الأخيرة والعناق شيء وارد وإليه معنى إضافية جمالياً أراده لنا ، هناك أشياء بين العاشق والمعشوق في التعلق ليست ترى بالعين المجردة أو تلمس وذلك لأنها شيء فوق المحسوس وأقرب للمس .. .

هو أن تظل على الأصابع رعشة
وعلى الشفاه المطبقات سؤال

استمرار لحالة الحب وما يتخللها من آثار في ذات العاشق .. .
رعشة الأصابع المتولدة من الحب هي اختزان ينحدر كهيئة سؤال بين الشفاه الساكنة و المتطابقة ، حقاً هذا ما يوحيه لظى الحب .. .

هو هذه الأزمات تسحقنا معــاً
فنموت نحن .. وتزهر الآمال

التساؤل يعود من جديد عن ذاك الموت الذي يسحق العاشقين فتبزغ الأهار وسط أحضان التراب الذي أتعبته الشمس وارتحال الوجع لترسم للأجيال الأمل والحرية .. أجل والحياة السعيدة .
استخدام اسم الإشارة أكثر من مرة هو تكرار ولروعتة تأكيد وزيادة للذبذبة الشعورية تلفت انتباه القارئ أو المتلقي تركيزاً للمعنى المتضمن في الكلمات .



هو أن نثور لأي شيء تافه
هو يأسنا هو شكـنا القــتال

للعاشق حالة غير منطقية تأججه الدفقة الشعورية ، نجده احياناً يتصرف بشكل شبيه بالجنون بعيد عن العقل ، شك ، عصبية ، وله ، خمول .. .

هو هذه الكف التي تغتالــنا
ونقبل الكــف التي تغـــتال

وتأتي الكف في اغتيال يشوبه المفاجئة مما يجعلها أكثر عنفاً وضراوة .
لم يصرح الشاعر بنوعية الاغتيال مما يعطينا مساحة من الفستق في تحوير المعنى فربما تكون الصفعة جسدية الألم وربما تكون الصفعة معنوية الألم .
ما أجمله من معنى فرغم الألم يندفع العاشق زاده الحب ومجدافه الشوق ينحني بكل نشوة مائية ويقبل الكف التي كانت تصفعه .. .
يقول العالم الفرنسي بافون " إن أسلوب الإنسان هو الإنسان " .
حقاً يا بافون إننا من أسلوبه ومدرسته الشعرية نتعرف عليه بكل وضوح .
إننا كمتذوقين نؤمن بأن نزار قباني قد استطاع أن يؤسس أكاديمية أدبية اسمها نزار قباني .